mardi 4 octobre 2022

اعتداء«الفجر الصادق» الإسرائيلي ............................................... تدجين حماس و تحييد الجهاد



ثلاثة أيام من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة كانت كافية للوصول إلى هدنة، حيث أبلغت الأطراف المصرية الجهاد الإسلامي أن حماس لن تتدخل في الحرب، فتم توقيع الهدنة على أن يقوم الجانب المصري بمتابعة ملفات أسرى الجهاد. من خلال ما تقدم، تؤكد المعطيات أن القطاع قادم على مرحلة هدوء قد تكون طويلة.


د.آدم ميرا 


قامت إسرائيل بشن هجوم على قطاع غزة أدى إلى قتل و جرح العشرات، وكان الهدف الأساسي للهجوم هو الجهاد الإسلامي و قياداته التي تُعتبر أحد فروع الحرس الثوري الإيراني في فلسطين. في بداية الهجوم صرح زياد النخالة الأمين العام للجهاد الإسلامي « أن الحرب ستكون طويلة، وأنهم سيلقنون العدو درسا لن ينساه» لكن لم تمض ِ ساعات قليلة على هذا التصريح، ودخول الجانب المصري على الخط حتى بدأت ملامح الأمور بالتغيير، الجهاد تراجع عن التصعيد و توقف عن إطلاق صواريخه و بدأ يعد العدة للهدنة.


خيبة الجهاد

كان الجهاد الإسلامي يُعد نفسه ليكون فاعلا على الساحة الفلسطينية بشكل كبير في المرحلة القادمة، حيث أن إيران قدمت له كل الدعم اللازم من أجل أن يتمدد في الضفة الغربية، رغم أن البيئة الحاضنة للتيارات الإسلامية في منطقة السلطة غير ملائمة و تبقى أكثر لائكية و علمانية من منطقة القطاع التي احتضنت التيارات الإسلامية ربما لقربها من مصر و نفوذ الأزهر الواسع فيها.

و كان الملك الأردني عبد الله الثاني نبه في وقت سابق إلى الدور الإيراني المزعزع لأمن المملكة، حيث استطاع الأمن الأردني أن يُحبط العديد من عمليات تهريب المخدرات الآتية من سوريا عبر أذرع إيران في المنطقة وفي مقدمتها حزب الله اللبناني. لكن ما لم يقله الملك الأردني ما له علاقة بالأراضي الفلسطينية من تهريب أموال و سلاح لأذرع إيران.

كانت قيادات الجهاد تُعد نفسها لشغل مكانا أوسع في فلسطين، لكن الضربة الإسرائيلية الاستباقية كشفت أن الجهاد لا يُمكنه أن يُأمل نفسه بلعب دور يتجاوز حماس، وأن إيران لا يمكنها أن تتسلل إلى الضفة بدون دفع ثمن غالٍ من الدم الفلسطيني، إضافة إلى أن الجهاد كان يُفكر بشكل جدي عن إمكانية تعويض الألف صاروخ التي أطلقها في محيط غزة و أطرافها.

كانت خيبة الجهاد كبيرة، حيث اكتشف سريعا أن حماس تخلت عنه وأن لها مشروعها الخاص بها، و أن رغبتها هي بأن ينعم القطاع بمرحلة من الهدوء لكي تستطيع أن ترد على التزاماتها الإقليمية المرتبطة مع تركيا وقطر، فما كان منه إلا أن قبل بالوساطة المصرية على مضض.


تدجين حماس

تحاول حماس أن تتأقلم بشكل سريع مع المتغيرات التي تجري في المنطقة، حيث أن تركيا بدأت بفتح خطوطها وترميم علاقاتها مع السعودية والإمارات وإسرائيل، كما أنها  ترطيب علاقاتها مع سوريا، حيث أن حماس تغازل منذ فترة النظام السوري، وأن زعيم ميلشيا حزب الله اللبناني حسن نصرالله لعب دوراً في تلطيف الأجواء، لكن رأس النظام السوري رغب في تأجيل قدوم حماس إلى الأراضي السورية إلى وقت يراه هو مناسبا، ربما يكون بعد نوفمبر/تشرين الثاني القادم، أي بعد انتهاء أعمال القمة العربية في الجزائر. وحسب مصدر مطلع جزائري « فإن الجزائر تسعى بكل قواها من أجل إعادة البريق إلى القضية الفلسطينية وجعلها من أولويات الجامعة العربية كما كانت في السابق». كما أن الجزائر تحاول بقوة إعادة إدماج سوريا في الجامعة العربية، وكانت دعوة إسماعيل هنية زعيم حركة حماس( رغم غضب الجزائر من زيارة مشعل للمغرب) و فيصل المقداد وزير خارجية سوريا إلى العرض العسكري بمناسبة استقلال الجزائر في الرابع من جويليه/تموز الماضي مؤشرات عن نتائج القمة العربية القادمة. 

حماس اختارت أن تبقى على الحياد في المعركة الأخيرة و تنأى بنفسها عن معركة الجهاد لكي تستطيع أن تكون عنصر فاعلا لتركيا و لسوريا ولقطر التي تحاول أن يكون لها دور في كل شيء. و إسرائيل كقارئ جيد للتحولات الجارية في المنطقة،رأت أن تدجين حماس هو جزء من مرحلة الهدوء القادمة.


مرحلة جديدة

المرحلة القادمة ستكون حافلة بالأحداث، فإيران ستوقع على اتفاقها مع الولايات المتحدة حيث كانت ترغب بأن تكون المعركة الأخيرة بين الجهاد وإسرائيل أطول لكي تستثمرها في المفاوضات، لكن حماس فوتت عليها ذلك، كما سيكون التوقيع على ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل وهو ما سيهمش دور حزب الله، رغم أن خطابه التهديدي والوعيدي سيستمر، وخطاب حسن نصر الله الأخير يبين إفلاسه عندما لم يجد أن يقول سوى « أنه مُكلف من الله» وهي رؤيا تتماشى تماما مع أنصاره ولكن ليس مع الآخرين. كما أن الولايات المتحدة تريد أن تتفرغ لصراعها مع الصين و روسيا، وتريد منطقة أكثر استقرارا رغم أن الوضع المتفجر في العراق يُبشر ببداية النهاية للنفوذ الإيراني، وهو ما يجعل هذه الأخيرة في توتر مستمر حيث تعتبر العراق عمقها الاستراتيجي وتبذل كل قواها من أجل جعله تحت قبضتها، لكن يبدو أن الأمور بدأت تخرج عن السيطرة وهو ما سيدفعها لتفجير الوضع بشكل أكبر لكي لا يستقر العراق و يبقى حديقتها الخلفية لنهب ثرواته و تخفيف الخناق عنها، و يبدو أن العراق سيكون نقطة استنزاف لإيران في المرحلة القادمة. 


الخلاصة


تغييرات كبيرة فرضتها أزمة كورونا، حرب روسيا على أوكرانيا، التصعيد الأمريكي ضد الصين، الرغبة في الوصول لاتفاق مع إيران ومحاولة لاستمرار الوضع على ما هو عليه في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي مع منح تل أبيب فرص أكبر لإدماجها في المنطقة العربية، و تدجين حماس التي أصبحت جزء من المنظومة العربية الرسمية رغم رفعها لشعارات ثورية - تحريرية، فمن يحكم لا يمكن له أن يبقى ثوريا، حيث تم نصح حماس منذ البداية بعدم دخولها المعترك السياسي، لأنها لا يمكن أن يكون لها مشروعان أحدهما مقاوم والآخر مفاوض. كما أن عودة تركيا للحظيرة الدولية البعيدة عن خلق صراعات مع الأطراف الغربية و الخليجية سيكون عامل تهدئة حاسم، إضافة إلى الجزائر التي تسعى بكل قوة لأخذ دورها على الصعيد العربي والعالمي، كل ذلك يُبشر أن المرحلة القادمة ستكون حٌبلى بأحداث عظام، والبداية كانت فلسطين من تدجين حماس و تحييد الجهاد و إفشال استثمار إيران الدم الفلسطيني في مفاوضاتها مع الغرب، لكن منطقة الشرق الأوسط دائما حُبلى بالمقابات .

آ.م