mardi 31 octobre 2023


فلسطين المحتلة - غزة


ماقبل غزوة طوفان الأقصى ليس كما بعدها


         في السابع من شهر أكتوبر الجاري قامت مجموعة النخبة من كتائب الشهيد عزالدين القسام، الذراع العسكري لحركة حماس الفلسطينية، بغزوة أطلقت عليها اسم « طوفان الأقصى »، حيث اخترقت الجدار العازل و هاجمت المغتصبات الإسرائيلية في محيط قطاع غزة، وقتلت 1400 واختطفت 220 أسير و أسيرة بين عسكري و مدني منهم فرنسيين و أمريكيين و بريطانيين و كنديين، و هذه العملية تٌعتبر تاريخية لأن نتائجها لم تكن طبيعية كما سنرى في هذا المقال التحليلي.


بقلم: آدم ميرا


           قامت مجموعة النخبة في كتائب عز الدين القسام وعددها بين 400 و 1000 مقاتل موزعين بين راكبي دراجات نارية، و طائرات شراعية و سيارات ذات دفع رباعي باقتحام الجدار الذي بنته اسرائيل و دفعت مليار دولار تكلفة له بعد أن قامت بتزويده بأعلى التكنولوجيا من أجل رصد أي تحرك مشبوه. قبل الاقتحام تم تفجير مراكز المراقبة بقصفها بقنابل موجهة، حيث تم تدميرها كاملا، ثم قامت مجموعة مسلحة باقتحام ما يسمى « معبر إيريز » و هو الفاصل بين قطاع غزة المحاصر و فلسطين التاريخية التي اسمها « إسرائيل ».

 حيث قامت المجموعة المهاجمة بقتل و آسر الجنود الإسرائيليين ثم قامت بالاستحواذ على جميع أجهزة الكمبيوتر التي تتضمن معلومات ثمينة عن العملاء و خططه تجاه الشعب الفلسطيني في القطاع. بعد تنفيذ العملية بنجاح، انسحبت المجموعة إلى قواعدها سالمة مع الاستحواذ الثمين، و بدأت بتفريغ الأجهزة بمساعدة من تم أسره من الجنود، و قد تم الحصول على معلومات ستساعد حماس في عملية كشف عملاء إسرائيل في القطاع و في صفوف المقاومة، إضافة إلى إمكانية حماس لاستخدام المعلومات التي لديها لإفشال أي مخطط مستقبلي للعدو الإسرائيلي، و حسب المعلومات الأولية فقد تم معرفة 72 عميل و منهم من يعمل للعدو منذ وقت طويل. و ليس غريبا على إسرائيل تجنيد العملاء فقد قامت في سنوات سابقة بتجنيد جهاد يوسف الذي كان يحمل الاسم الكودي «  الأمير الأخضر » وهو ابن القيادي في حركة حماس حسن يوسف. فيما قامت المجموعات الأخرى بالاقتحام من نقاط أخرى لتنفيذ مهام معينة.


  • توزيع مهام

         

        كل مجموعة من المهاجمين كان لديها مهمة محددة، و هذه المهمة كانت مرتبطة بمعلومات تم الحصول عليها من طرف عملاء تم تجنيدهم خلف خطوط العدو، إضافة إلى العمال الفلسطينيين الذين يترددون على المغتصبات من أجل العمل، حيث كانوا يقدمون لحماس جميع مشاهداتهم، فلذلك عندما اقتحم فدائيو كتائب الشهيد عزالدين القسام منطقة غلاف غزة، كانوا يعلمون جيدا جميع خطواتهم و تحركاتهم، خاصة و آنه يوجد في الخطوط الخلفية مجموعة من المراكز الأمنية و مركز خاص للتجسس تابعة للجيش الإسرائيلي، حيث استطاعت المجموعة تحييدهم جميعهم و الحصول على كافة الأجهزة و المعلومات اللازمة التي ستفيد حركة حماس في المرحلة القادمة، و هذا سبب الإرباك الكبير والهلع في صفوف جيش الاحتلال و القيادة السياسية، و كما قال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في تصريح سريع: «  لقد أضر هجوم حماس بنتنياهو بشكل كبير. » و هذا ما يعني أن مستقبل نتيناهو السياسي انتهى لدرجة أن المتظاهرين في تل الربيع ( تل ابيب) كانوا يهتفون: «  خذوا بيبي (نتنياهو) و أعيدوا لنا الأسرى ».

  • الإعداد لخطة طوفان الأقصى

          قبل ثلاثة أيام من غزوة طوفان الأقصى، قام عباس كامل مدير المخابرات المصرية بالتنقل شخصيا إلى تل الربيع و أبلغ أصدقاءه الإسرائيليين أن هناك تحركات مريبة في غزة، و عليهم أخذ الحذر. لم يُعر الإسرائيليون أي اهتمام للمعلومة، والغريب أن هذه المعلومة تقاطعت مع معلومة أخرى من سي.آي.إي. وصلت قبل سبعة أيام من زيارة عباس، لكن أصر الإسرائيليون على تجاهل المعلومة، في حقيقة الأمر لقد عمت بصيرتهم بسبب قناعتهم بأنهم الأقوى و أن لا آحد يجرؤ على مسهم بأي ضرر.


        كانت حماس قد أعدت الخطة منذ فترة طويلة، حيث كان يجب الاستحواذ على جميع الإمكانيات للهجوم، و بالمال يمكن تهريب كل شيئ عبر الحدود المصرية، خاصة و أن عبد الفتاح السيسي أمر الجيش المصري بتدمير جميع الأنفاق بين قطاع غزة و مصر، و بنى جدارا حديديا بعمق خمسة أمتار ليمنع أي إمكانية لتهريب أي شيء، لكن كل شيء ممكن، حيث استطاعت حماس برشوة من ساعدها لتهريب كل المستلزمات لنجاح العملية، و كانت أجهزة الطيران الشراعي هي أهم نقطة في العملية.


         بعد استكمال العملية من تدريب و إمكانيات معنوية و مادية، كان لا بد من تجربة عملية لمحاكاة الهجوم، وهذا مايؤكد المعلومات المصرية والأمريكية. هنا من الواضح أن عملاء إسرائيل لم يستطيعوا أن يرسلوا المعلومة كاملة، و من المؤكد أن أمن حماس استطاعت تضليل العملاء أو أنه كان لديها عملاء مزدوجين، حيث يقومون بتقديم المعلومات اللازمة للطرف الآخر لتضليله، هذا ما يؤكد الفشل الكبير للشاباك ( الأمن الداخلي) و للموساد( الأمن الخارجي).

  • اختيار التوقيت

         لقد جاءت الغزوة في السابع من أكتوبر، أي في اليوم التالي للسادس من أكتوبر الذي يصادف حرب كيبور أو حرب أكتوبر الذي استطاع فيها الجيش المصري عبور خط بارليف في العام 1973. و تترافق الغزوة مع إعلان الأمير محمد بن سلمان قبل أسابيع قليلة عن مفاوضاته مع إسرائيل عبر الوسيط الأمريكي. و في حال قامت المملكة بالتطبيع مع إسرائيل فهذا نصر كبير لحكومة نتنياهو و تصفية عملية للقضية الفلسطينية، حيث أن الاسرائليين رفضوا رفضا قاطعا تقديم أي تنازل للفلسطينيين، خاصة و أن الساحة الفلسطينية منقسمة بين تيارين الأول في الضفة الغربية و يقوده رئيس السلطة محمود عباس الذي يرفض كل أشكال المقاومة، و يقوم بالتنسيق الأمني مع إسرائيل، و التنسيق الأمني بمعناه الواضح هو تسليم أسماء النشطاء من المقاومة لإسرائيل. والطرف الآخر هو حركة حماس التي ترفض الاعتراف بإسرائيل و تؤكد على أن المقاومة المسلحة هي الطريق الوحيد لتحرير فلسطين. في ظل هذا الانقسام، استطاعت إسرائيل أن تقوم بتسريع الاستيطان بالضفة حيث وصل عدد المستوطنين إلى مليون بزيادة غير متوقعة وهو ما أفشل بشكل كامل قيام دولة فلسطينية في الضفة و القطاع، و ذلك بعيدا عن أن الدولة العبرية ترفض أن تعترف بالقدس كعاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية، وهو ما يعني في نهاية الأمر، الفشل القاطع و الكامل لعملية السلام ومسارات أوسلو، ولم يعد هناك سبيل إلا للمقاومة من أجل الحصول على كامل الحقوق الفلسطينية.


إذا.. التوقيت هو لإفشال أي تقارب بين السعودية والدولة العبرية، التأكيد على أنه بإمكانيات بسيطة يمكن هزيمة العدو، وأن الطريق الوحيد للتحرير هي المقاومة، و أخيرا أنه لا يمكن تهميش القضية الفلسطينية ووضعها على الرف، والنقطة الأهم هو إفشال مخطط ترحيل الفلسطينيين من القطاع باتجاه صحراء سيناء المصرية و سكان الضفة إلى الأردن.

حيث كان هناك مخططا تم وضعه في عهد الرئيس السابق ترامب من أجل تنفيذ هذا المخطط، و قد عبر المارشال عبد الفتاح السيسي في لقاءه مع المستشار الألماني أولف شولتز عن ذلك، برفضه القاطع للترحيل، بل اقترح ترحيل الفلسطينيين إلى صحراء النقب الفلسطينية المحتلة.


لقد كان توقيتا في محله لإفشال جميع المخططات، و رغم الثمن الباهظ الذي يدفعه الشعب الفلسطيني من دمه، إلا أن غزوة طوفان الأقصى أعادت للمواطن العربي عموما و للفلسطيني خصوصا كرامته و عزته.

  • الرد العنيف و التأييد الغربي الرسمي و صدمة المطبعين

     لقد جاء الرد من طرف الاحتلال الإسرائيلي عنيفا جدا، وهو مسألة طبيعية لحالة الصدمة التي تعيشها النخبة في إسرائيل، حيث لم يتوقعوا في أي حال من الأحوال أن يتعرضوا لهجوم على « أراضيهم» و يفقدون المئات بين قتيل و جريح و أسير، فلذلك كانت هناك تصريحات غير مسؤولة و تُعبر عن إرباك واضح في اتخاذ القرار.


أما بالنسبة للموقف الغربي.. فقد كان حاسما بالتأييد المُطلق لإسرائيل، فهذه الأخيرة هي ربيبة الدول الاستعمارية، وبفضلها يقوم الغرب بحلب و ابتزاز الدول العربية لشراء السلاح، كما أن الضربة القاصمة لإسرائيل تأتي من حركة وطنية فلسطينية لتؤكد بأن الشعب الفلسطيني حي لا يموت، و لايمكن أن يتنازل عن أرضه و حقه في إقامة دولته المستقلة.

 إن هزيمة إسرائيل هي هزيمة للغرب، و عليه يجب تدمير حماس بكافة الأشكال من أجل بقاء إسرائيل كقوة متفوقة في منطقة الشرق الأوسط.


لكن النقطة الفاصلة في هذه الغزوة، هو الخيبة الكبيرة التي تعرض لها المُطبعين من الدول العربية مع إسرائيل، فقد اكتشفوا أن حليفتهم ليست أكثر من نمر من ورق، وهي مهتزة داخليا وأنها غير قادرة على حماية نفسها فكيف ستقوم بحمايتهم، إضافة إلى أن إسرائيل يتم تصنيفها في علم السياسة بحكومة قوية و مجتمع هزيل، و ذلك يعود لعدم التجانس بين مختلف الجماعات اليهودية الآتية من بقاع مختلفة.

  • محور إيران ووحدة الساحات

       الجميع يتساءل: أين محور المقاومة و وحدة الساحات الذي أطلقته الميليشيات المؤيدة لإيران.

 في البداية من المؤكد أن حماس أبلغت حلفاءها إيران و حزب الله اللبناني بالعملية، و تلقت وعدا منهم بالمساعدة و فتح الجبهات، لكن النتيجة كانت مخيبة للآمال، حيث أنه لم يتدخل أحد سوى ببعض المناوشات في جنوب لبنان و بتصريحات لا قيمة لها من القيادة الإيرانية.


هناك شعور بخيبة الأمل من إيران و من ما يُسمى محور المقاومة، و هذا ما يُعزز ما تم تسريبه منذ عدة سنوات على لسان موسى أبو مرزوق القيادي في حماس الذي اتهم إيران بالكذب و المماطلة و عدم دعم حماس إلا بالكلام.


           في نهاية الأمر.. لقد حققت إيران مكسبا كبيرا من خلال توريط حماس في المعركة لوحدها، فإيران كما إسرائيل هي دولة احتلال، حيث تحتل الجزر الإماراتية الثلاث: طنب الكبرى و الصغرى و أبو موسى. كما تحتل منطقة الأحواز العربية، و أن إيران ليس لها عدو في المنطقة سوى المملكة العربية السعودية، و ما الاتفاق السعودي- الإيراني الذي تم توقيعه في مارس الماضي برعاية صينية إلا تعبير عن استراحة المحارب، لتبدأ العداوة من جديد بين البلدين، و أن محور إيران لن يشارك بأي معركة إلى جانب حماس.

  • تأخير الغزو الأرضي

       لقد أعلنت عدة أطراف إسرائيلية أن الغزو الأرضي لن يكون سريعا، و أن القصف سيأخذ وقتا طويلا. و تم وضع حجج مختلفة من أجل تبرير التأخير، حيث تم حشد 320 ألف جندي جاءوا من كل بقاع الأرض منهم عشرة آلاف أتوا من الولايات المتحدة الأمريكية وحدها.


     إن أسباب التأخير في الهجوم هو أن إسرائيل تتساءل عن قدرتها على تحمل عدد كبير من القتلى و الأسرى. كما أن إسرائيل لا تمتلك معلومات عن شبكة الأنفاق التي تم بناءها في القطاع و التي تبلغ 360 كيلو متر. حيث اعتمدت حماس على نظرية الأبواب المغلقة، و هو ما يعني أن هناك مجموعة من شبكات الأنفاق غير مرتبطة ببعضها البعض، و هناك أنواع مختلفة من الأنفاق، منها الخاص بالإقامة، منها الخاص بنقل المعدات، منها الخاص بالتخزين … الخ


      إضافة إلى وجود 35 آلف مقاتل على أهبة الاستعداد و الاستشهاد، و هذا غير متوفر لدى الاسرائيليين، حيث أنه عندما اقتحم مقاتلو القسام « معبر إيريز » وجدوا الجنود الإسرائيليين مختبئين تحت الأَسرِة، فعقيدة القتال ليست موجودة لديهم.


إن تحريك البارجات البحرية الأمريكية، و مشاركة ألفين جندي أمريكي من قوات دلتا مع الجيش الإسرائيلي لن يخفف من أن الهجوم على غزة سيكون له عواقب وخيمة على إسرائيل، و هي حرب لن تكون نزهة.

  • الخلاصة

      لقد حرصت إسرائيل و جميع وسائل الإعلام على تقديم الدمار الواسع الذي تم إلحاقه بغزة من أجل إحباط الشعب الفلسطيني خصوصا و العربي عموما، و قامت بالمقابل بمحاولة تشويه صورة مقاتلي حماس على اعتبار أنهم قاموا بقطع رؤوس الأطفال، لكن مباشرة تم تكذيب ذلك من طرف وسائل الإعلام الغربية. 

لقد اهتزت صورة إسرائيل كقوة خارقة، و لم يعد بالإمكان ترميمها، و أن كل المساعدات الغربية ليس لها آي قيمة، و أن هناك بالمقابل شعب فلسطيني يناضل من أجل حريته، رغم تكالب القريب و البعيد عليه، و في النهاية لا عزاء للمطبعين.. النصر للمقاومة و الرحمة للشهداء.

و مهما اختلفنا مع حماس فكريا أو عقائديا.. إلا أننا يجب أن نعترف أن « غزوة طوفان الأقصى » أعادت لنا كرامتنا، و أنه بعد انتهاء المعارك بين حماس و إسرائيل سيكون هناك حديث آخر فما قبل الطوفان ليس كما بعده. 

آ.م