dimanche 24 mars 2024

التعاون العربي - الإسرائيلي: وجود « إسرائيل» ضرورة عربية



لعبت بعض الدول العربية و في مقدمتها المغرب على دعم إسرائيل مقابل خدمات، كما تعاونت دول عربية أخرى مثل مصر والإمارات على دعم وجود إسرائيل مقابل مصالح مشتركة.


بقلم : آدم ميرا


عندما أعلن دافيد بن غوريون قيام دولة إسرائيل عام 1948، كان عدد سكان الكيان الاستعماري الوليد لا يزيد عن ثمانمائة آلف، وكان هناك تخوفا كبيرا لدى مؤسسو الدولة العبرية بأن لا يستطيعوا إقناع يهود اوربا و أمريكا بالهجرة إلى إسرائيل. وكانت العراق و المغرب هما الدولتان العربيتان اللتان تملكان مواطنين من الديانه اليهودية بتعداد كبير جدا. فقام الموساد الإسرائيلي بالتواصل مع هاتين الحكومتين من أجل دفع مواطنيهما بالهجرة


* المغرب 

كانت المغرب تعاني من وضع اقتصادي غير مستقر مع الانتداب الفرنسي و الإسباني وبعد الاستقلال عنهما عام 1956 قامت الوكالة اليهودية بدفع مائتي دولار أمريكي للملك محمد الخامس ومن ثم لخلفه الحسن الثاني عن كل مغربي يهاجر لإسرائيل، ليصل عدد المغاربة اليهود في إسرائيل إلي ثمانمائة ألف يهودي. لدرجة أن وزير خارجية المغرب الحالي ناصر بوريطة قال : « إن الإسرائيليين عليهم الاعتراف بأن أصلهم من المغربو لكن التعامل بين البلدين لم يتوقف عند هذه النقطة، حيث قام الموساد الاسرائيلي باغتيال المناضل اليساري المغربي و المعارض لنظام الحسن الثاني « المهدي بن بركة » عام 1965 في باريس وبقيت جثته مجهولة المكان لوقتنا الحالي. وكان مقتله قد سبب أزمة حادة بين باريس و الرباط و إحراجا كبيرا للرئيس شارل ديغول. كما أن المغرب قامت بإعادة العلاقات مع إسرائيل فيما سُمي باتفاقيات السلام الإبراهيمي، وذلك مقابل الاعتراف للمغرب بسيادته على الصحراء الغربية من طرف واشنطن و تل أبيب. حيث قدمت المغرب لإسرائيل اعترافا بشرعيته لاحتلال فلسطين مقابل الحصول على اعتراف لاحتلالها للصحراء الغربية، بمعنى أن محتل يساعد محتل. كما قامت تل أبيب بدعم الجيش المغربي بالأسلحة اللازمة و زودته ببرنامج  التجسس بيغاسوس الذي أثار حفيظة باريس بعد اكتشافها التجسس على هاتف الرئيس إيمانويل ماكرون. إضافة لكل ذلك، فإن المغرب تُعتبر الوجهة الأولى للسياح الإسرائيليين فقد زارها خلال العام الماضي فقط مائتي ألف إسرائيلي.

لقد تحولت العلاقة بين تل أبيب والرباط إلى علاقة استراتيجية كرست برامج مستقبلية للتعاون بين البلدين على جميع الأصعدة، و هذا ما دفع المغرب ليتقدم إلى الاتحاد الأوربي لتعزيز علاقاته و الحصول على عضوية كاملة، و من المؤكد أن إسرائيل ستقدم له الدعم الكامل. و منذ العدوان على غزة بعد عملية طوفان الأقصى، غاب المغرب عن المشهد و كأن فلسطين لا تعنيه و هو رئيس لجنة القدس.


* العراق

كانت حكومة  الضابط الشيوعي عبد الكريم قاسم الذي قام بالانقلاب مع الضباط الأحرار على الحكم الملكي و أقام نظاما جمهوريا عام 1958 متعاونة مع إسرائيل، حيث منذ تسلمه السلطة كانت الحركة الكردية تعارض بشراسة و تشن هجمات مسلحة ضد النظام في بغداد، وكان قاسم يحتاج لبعض الوقت لكي يرتب أمور العراق الداخلية بعد أن أزال الملكية وأقام الجمهورية. و كان اتصال جهاز الموساد الإسرائيلي بحكومته فرصة ملائمة له ليتخلص من العراقيين اليهود ويتلقى الدعم الإسرائيلي لمحاربة المتمردين الأكراد. و هذا الذي حصل. حيث قام بتهجير حوالي مائة وأربعون ألف يهودي إلى إسرائيل بالإجبار، حيث كان اليهود العراقيون ناشطون في الحياة السياسية وساهموا بشكل كبير في بناء العراق الملكي. وكثير من اليهود العراقيين رفضوا الرحيل إلى إسرائيل و انتقلوا إلى دول أخرى للعيش فيها، و لازالت الحسرة تملأ قلوب بعضهم للرحيل عن العراق فيما اختار البعض الحقد و الكراهية مثل إيتمار بن غفير هو عراقي يهودي الذي شن حملات قتل و ترهيب بحق الفلسطنيين.


* السودان

في الثمانينيات من القرن الماضي لعب السودان تحت حكم الرئيس جعفر النميري دورا جوهريا في ترحيل اليهود الفلاشة من إثيوبيا عبر السودان إلى إسرائيل. حيث كان النميري يرتبط بعلاقات مودة مع الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل، و نتيجة لتلقي رشاوى و دعم أمريكي وافق النميري على إقامة معسكر على الحدود السودانية- الإثيوبية حيث يتم نقل اليهود الفلاشة إليها ليتم نقلهم بعد ذلك إلى الخرطوم و من ثم إلى تل أبيب.

لكن بعد نقل الآلاف، تم الكشف عن هذه العملية التي تحمل اسم « عملية موسى» مما اضطر السودان لإيقافها، لكن الموساد بقي فاعلا في العاصمة الخرطوم و استمر في عمله لتهريب الفلاشة.


بعد اتفاقية أوسلو بين السلطة الفلسطينية و الكيان الإسرائيلي، هرعت العديد من الدول العربية لأقامة علاقات رسمية مع إسرائيل. رغم أن مصر كان أول من وقع مع إسرائيل معاهدة سلام عام 1979، وتم اغتيال الرئيس المصري أنور السادات عام 1981 بسبب التوقيع، كما قامت الجامعة العربية بطرد مصر منها، و قامت معظم الدول العربية بقطع علاقاتها مع مصر.

لكن كل شي تغير بعد عام 1993، حيث بدأت السلطة الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات ممارسة بعض سلطاتها في الضفة الغربية و قطاع غزة، و لكن جاء عام 2002 حيث أعلن الملك السعودي عبد الله الثاني عن المبادرة العربية من بيروت للتطبيع مع إسرائيل، وأساس المبادرة إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 4 جوان 1967 وعاصمتها القدس الشرقية مقابل التطبيع مع العرب.

لكن ما حدث بعد ذلك قد تغير، حيث بدأت دول عربية تبحث عن طريقة للتواصل مع إسرائيل و ذلك بتشجيع أمريكي، و سعت بعضها بخطى حثيثة بعد أن تطور الوضع الإيراني في المنطقة، و أصبحت طهران تحكم عمليا عدة عواصم عربية، و حاولت عبر مل سُمي بالربيع العرب بزعزعة الأمن في دول الخليج العربي.

و رغم أن موريتانيا أقامت علاقة مع إسرائيل في عهد معاوية ولد الطايع لكن ذلك لم يدم طويلا. و كان أكثر المندفعين للتطبيع هي قطر التي فتحت مكتبا تجاريا لإسرائيل في الدوحة في العام 1995 و ذلك من أجل الحصول على الدعم الأمريكي لانقلاب حمد آل ثاني على أبيه الذي كان في رحلة إلى سويسرا.


*مصر

وقع الرئيس الراحل أتور السادات اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، و كان ذلك بعد حروب استمرت بين البلدين منذ عام 1948 و انتهت هذه العداوة على يد هنري كسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية. و استمرت مصر ملتزمة بالمعاهدة و لم تخرقها أبدا رغم كل الحروب و المجازر التي قامت فيها إسرائيل في لبنان و فلسطين. بل على العكس جاء الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي ليعمل و بشكل عملي على محاصرة الفلسطينيين، خاصة بعد انقلاب حماس على السلطة الفلسطينية عام 2007 و استلامها لإدارة غزة منذ ذلك التاريخ، حيث عمل النظام المصري على محاصرة القطاع و إغلاق الحدود، لكن عندما جاء الرئيس محمد مرسي إلى السلطة و هو من حركة الإخوان المسلمين تعاون مع حماس و أعلن « أن مصر لن تترك غزة وحدها» فما كان من الجيش المصري إلا الانقلاب عليه و اتهامه بالتآمر على مصر، و قام الجيش المصري بأمر من الرئيس عبد الفتاح السيسي بإغراق الأنفاق بالماء على الحدود بين البلدين و أغلاق المعبر.

لقد لعب نظام عبد الفتاح السيسي دورا حاسما في حصار غزة، و شنًَ الإعلام المصري حملة شعواء ضد حماس. و مع الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، لعبت مصر عبد الفتاح السيسي دورا حاسما في محاولة لإضعاف الشعب الفلسطيني، حيث أغلقت الحدود، لدرجة أن إسرائيل اتهمت أمام محمومة العدل الدولية نظام السيسي بأغلاق المعابر، وأن الرئيس الأمريكي جو بايدن قال في أحد خطاباته أنه تحدث مع السيسي مطولا من أجل فتح المعابر مع قطاع غزة.

لكن الموقف الأكثر بشاعة، عندما قامن صحيفة لوموند الفرنسية العريقة بإثبات عبر تحقيق نشرته على صفحاتها أن من يريد آن يغادر قطاع غزة عليه دفع ما بيت خمسة آلاف إلى عشرة آلاف دولار أمريكي. حيث تم تشكيل مكاتب تحت مسميات سياحية بالتنسيق من الجيش المصري لنقل من يريد الخروج من غزة مقابل مبالغ مالية مهولة.


  • الأردن

عام بعد أوسلو، قام الأردن في عهد الملك الراحل الحسين بن طلال بتوقيع معاهدة السلام وادي عربة مع إسرائيل عام 1994، و استمر الأردن بالالتزام بالمعاهدة و لم يحاول خرقها تحت أي ظرف من الظروف، رغم أن 70 بالمائة من الأردنيين هم فلسطينيين.

و قد حاول الأردن التي هي دولة تعيش على نكبات من حولها أن تكون متوازنة في علاقاتها بين الداخل و الخارج، حيث أن الأردن الذي خاض حربي عام 1948 و عام 1967 و رفض المشاركة في حرب عام 1973، حيث أن العاهل الأردني الحسين قام بإبلاغ رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك بساعة الصفر لحرب عام 1973 و لكن رفضت أن تصدقه. على جميع الأحوال.. بقي الأردن وفيا للمعاهدة، ولكنه بالمقابل رفض كل المغريات التي قامت بها السعودية والإمارات من أجل أن يدعم ما سُمي باتفاقيات إبراهيم بين إسرائيل و الامارات والبحرين، كما بقي صامدا أمام محاولة الانقلاب على الملك عبد الله الثاني عن طريق أخيه حمزة المدعوم من السعودية. استطاع الأردن تجاوز ذلك لأنه يعلم أن التطبيع مع دول الخليج هو البداية للقضاء على القضية الفلسطينية وعلى دور الأردن في حماية المقدسات في القدس.

ومع اندلاع الحرب على القطاع، حاول الأردن حسب إمكانياته المتواضعة أن يقدم شيئا للقطاع، كما أن الأردن هو أكثر دول المنطقة ذكاء لقراءة الوضع في المنطقة العربية، فهو أول من حذر من الهلال الشيعي و هو أول من حذر من عمليات الترحيل من غزة و من الضفة الغربية.


  • الإمارات العربية المتحدة

لعبت حكومة أبوظبي دورا إقليميا متقدما في المنطقة العربية بعد العام 2011، حيث اكتشفت تنظيما إخوانيا يسعى للإطاحة بحكم أبناء زايد، وهنا تغيرا التحالفات و بدأ السعي لإقامة علاقات مع إسرائيل و إضفاء الشرعية على دولة الاحتلال. لكن هذه السياسة المتغربة لم تأت من فراغ، حيث ساهمت الإمارات بعد العام 2001 مع الولايات المتحدة في التحالف ضد ما سُمي تحالف ضد الإرهاب، و لعبت الإمارات دورا كبيرا في هذه الحرب، حيث أقام فرنسا وأمريكا وكندا قواعدا عسكرية لها في الإمارات من أجل استقبال مقاتليها في أفغانستان. كما قدمت الإمارات كل المعلومات و التسهيلات اللازمة للتحالف ضد الإرهاب. و على هذا المجهود حصلت الإمارات لمواطنيها على التنقل إلى دول «شنجن» بدون فيزا

لكن بعد توقيع إتفاقيات إبراهيم، بدأت الإمارات توسع من دورها و دعمها لإسرائيل، و تنشط بالعالم العربي و الإفريقي من أجل ملاحقة كل ما له علاقة بالإخوان، فقد كانت وراء ما جري في تونس ضد الغنوشي و حركة النهضة، كما أنها تقوم بدعم خليفة حفتر في ليبيا ضد حكومة عبد الحميد الدبيبة المُعترف بها دوليا، كل ذلك من أجل الحصول على دور فاعل و معلومات تقدمها لحلفائها الجدد.


أما فيما يخص مملكة البحرين فأن دورها هامشي، و يبقى مرتبطا بالدور السعودي و هي ليست تابعا فاعلا بل تابعا، فالتعليق على ما تقوم به يبقى غير ذو قيمة لتبعية دورها.


  • خاتمة

إن إسرائيل تلعب دورا حاسما في المرحلة الحالية لصالح بعض الأنظمة العربية، فهزيمتها أمام حماس في القطاع تُبين ضعف الجيوش العربية التي لم تقاتل آكثر من ثلاثة أيام أمام إسرائيل. فانتصار حماس سيعطي دفعا معنويا هائلا للإسلاميين في العالم العربي و الإسلامي و سيجعل من فلسطين هي بوصلة الانتماء الوطني، و كل ذلك يتعارض مع مصر و دول التطبيع في الخليج العربي، فلذلك يجب القضاء على حماس و على كل نصر للإسلاميين.

إن إسرائيل تقوم بدورها بشكل فعَال وهي تلبي مطالب عملية لبعض الأنظمة العربية، وإسرائيل ستبقى مادامت تتلقى الدعم من بعض الأنظمة الفاعلة في العالم العربي، و تقدم الخدمات اللازمة لمن يدعمها. فالجميع في حالة ترقب، وما معركة طوفان الأقصى إلا البداية لطوفان العربي سيأتي يوما و إن تأخر.


م.آ