آدم ميرا
وصلتني رسالة من خمسة صفحات، من طرف نائب الرئيس
السوري السابق "عبد الحليم خدام" المقيم في فرنسا منذ عقد تقريبا، حيث
وجه في رسالته انتقادات لاذعة للرئيس السوري بشار الأسد واصفا إياه بـ"الطاغية"،
كما انتقد بشدة خطة مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا" ستيفان دي
ميستورا" واصفا إياها بأنها تُقسم سوريات إلى كانتونات و
بأنها "لُغم".
بدأ نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم
خدام رسالته بشن حملة قاسية على الرئيس السوري بشار الأسد، ناعتا إياه بالطاغية
الذي دمر بلاده و شتت مواطنيه و قتل شعبه مستخدما كافة الوسائل لسحقهم ، حيث نقرا:" لم يعرف العالم في
العصر الحديث حاكما يقتل شعبه ويدمر وطنه ويشتت مواطنيه ويصادر الحريات العامة
والفردية ويخرب الاقتصاد الوطني مثيلا للطاغية بشار الأسد الذي استخدم القوات
المسلحة وأجهزة الأمن في قتل مواطنيه وتدمير البلاد وفتح أبواب السجون ونشر الفساد."
ووصف النظام السوري بالمجرم الذي زرع
الطائفية و الإثنية وحرض الأقليات العرقية و الدينية على الاقتتال، و ووضع سوريا
في خطر دون وعي من "الطاغية" بشار الأسد. وقال:" الظلم والقهر
والتجويع عوامل أساسية في إثارة الأحقاد والكراهية ضد النظام الذي ارتكب جريمة
أخرى باستخدام العصبيات الطائفية والعرقية وتحريض الأقليات وكل ذلك ينتج تمزيق
البلاد والصراعات بين المواطنين دون أن يدرك الطاغية أنه وضع سورية في قلب دائرة
الخطر."
ثم انتقل بعد ذلك للحديث عن مؤتمر جنيف
الأول، الذي عُقد في سويسرا عام 2012، و تطرق إليه على اعتبار أن نقطة الخلاف
الأساسية بين راعيي المؤتمر الأساسيين الولايات المتحدة الأمريكية و روسيا كانت
حول بقاء بشار الأسد في الحكم، و أن مادة الخلاف بين الدولتين العظميين تتضمن
الكثير من الغموض، و لا تشير صراحة إلى مصير الأسد، و مادة الخلاف حسب رسالة خدام
المُوثقة هي:" إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تهيء بيئة محايدة تتحرك في
ظلها العملية الانتقالية وأن تمارس هيئة الحكم الانتقالية كامل السلطات التنفيذية
ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى ويجب أن
تتشكل على أساس الموافقة المتبادلة".
و عبر خدام في رسالته عن الغموض في الوثيقة و المواد الُمدرجة في نص
وثيقة جنيف الأولى، كما اعتبر أن النص يفتقد لقواعد اختيار ممثلي الشعب في السلطة
الانتقالية. حيث يقول نص جنيف 1 :" استمرار المؤسسات الحكومية والموظفين
من ذوي الكفاءات ، فمن الواجب الحفاظ على الخدمات العامة أو استعادة سير عملها
ويشمل ذلك فيما يشمل قوات الجيش ودوائر الأمن ، ومع ذلك يتعين على كافة المؤسسات
الحكومية بما فيها دوائر الاستخبارات أن تتصرف بما يتماشى مع معايير حقوق الإنسان
والمعايير المهنية وأن تعمل تحت قيادة عليا تكون محل ثقة الجمهور وتخضع لسلطة هيئة
الحكم الانتقالية.
و أضاف في رسالته، إن الشعب السوري لا يسعى لتدمير الدولة و إلغائها،
و إنما هدفه الرئيسي هو إبعاد النظام و تخليص سوريا من زبانيته، وقال:" بالتأكيد
هدف الشعب السوري ليس إسقاط الدولة السورية لأن الدولة موضوع والنظام السياسي موضوع
آخر ، الهدف إسقاط النظام السياسي، وإسقاط النظام السياسي لا يعني حل مؤسسات الدولة
وإنما يجب تطهيرها وتنظيفها". و أشار في حال أنه لم يتم تطهير النظام من
أزلامه فإنه سيعود بقوة و بسهولة إلى السلطة عبر استخدام القوة، و ليس بالضرورة و
بذات الوجوه و لكن بممثلين عنه، و أضاف:" فإذا لم يحدث ذلك وبقيت أجهزة
الأمن كما هي ، وأجهزة الجيش كما هي وأجهزة الاستخبارات كما هي، فإن ذلك سيؤدي إلى
عودة النظام بانقلاب عسكري وليس من الضرورة أن يعود بشار الأسد وإنما أن يعين
مثيلا له وهذا سيؤدي إلى انهيار المؤسسة الجديدة وانتشار الفوضى في البلاد ونمو
التطرف."
و اقترح السياسي المخضرم اللاجئ في فرنسا، أنه كان يجب إضافة نصوص
أخرى إلى الوثيقة من أجل محاسبة من شارك بالتدمير والقتل والنهب، كما دعا
لانتخابات حرة تضم كافة الأطياف في سوريا، وذكر في رسالته:" هذا النص كان
يجب أن يكتمل بمبدأ محاسبة الذين ارتكبوا جرائم القتل والتدمير والفساد لأن ليس كل
من عمل في الدولة مسؤول عن سياستها ولكن في بنية الدولة أشخاص فقدوا قدرتهم في
الاستمرار في الخط الذي يضمن مصالح البلاد وهذا الخط يحدده الشعب عبر انتخابات حرة
وإذا لم يكن ممكنا إجراء انتخابات يعقد مؤتمر وطني شامل لكل أطراف الشعب السوري
بمكوناتهم القومية والدينية والسياسية الذين عارضوا النظام المستبد وعملوا على
إسقاطه."
فيما بعد انتقل إلى نقطة أخرى، وشن حملة على المبعوث الجديد للأمم
المتحدة "ستيفان دي ميستورا" الذي لا يتمتع بأي خبرة ديبلوماسية حسبه، و
لم يكن يوما متخصصا في الصراعات الدولية، حيث قال عنه في رسالته:" بعد
أربع سنوات ونصف من جرائم القتل والتدمير تحركت الدول الكبرى بهدف إيجاد حل للأزمة
السورية ولكنها بقيت مقسمة، الولايات المتحدة أعلنت أن لاحل سياسي بوجود الطاغية
بشار وروسيا أعلنت أن لا حل سياسي بغياب بشار الأسد ، وفي هذه الأجواء برز موظف
أممي السيد ستافان دي ميستورا الذي أوفده الأمين العام للأمم المتحدة للبحث عن حل
سياسي وليس معروف عنه أنه عمل في الأمم المتحدة في ملفات الشرق الأوسط أو في الملف
السوري." هذا السياسي "المغمور" قدم مشروعا إلى الأمم المتحدة
و تم قبوله دون مناقشة، رغم أن هذا المشروع لا يحقق طموح الشعب السوري، وأضاف:"
وقدم مشروعا تبناه مجلس الأمن الدولي بالإجماع دون مناقشته، مع أن المشروع فيه
ثغرات كثيرة لا تجعله صالحا للتطبيق ."
و قد شرَّح خدام المشروع، و اعتبره خطيرا جدا ليس على سوريا فحسب، بل
على المنطقة بأجمعها، و اعتبر أن هذه الوثيقة التي صوت عليها مجلس الأمن تتضمن
ثلاث نقاط، حيث تُبقي على بشار الأسد، وتقسم سوريا إلى مناطق عرقية و دينية وهو ما
سيؤدي إلى تفكيك سوريا. وقال في رسالته الوثيقة:" الثغرات الكبرى في
المشروع هي: أولا : المشروع أبقى على بشار الأسد ونظامه وتجاهل دماء مئات الآلاف
من السوريين كما تجاهل الدمار والمعاناة التي يعيشها السوريون .ثانيا : المشروع
يؤدي إلى تفكيك الوحدة السكانية والجغرافية لسورية وإقامة تنظيمات حكومية
(كانتونات ) تدير كل قسم.
ثالثا : ركز المشروع على وضع الأقليات."
ووجه في النهاية نداء إلى الشعب السوري، و إلى كافة الأطياف السياسية
في ائتلاف المعارضة بضرورة التأمل بما يُعرض عليهم، حيث أن الهدف من هذا المشروع
هو إسقاط مبادئ سوريا التاريخية المبنية على المساواة و العدالة الاجتماعية، حيث
قال:" أتوجه بنداء حار إلى أبناء سورية وإلى التنظيمات السياسية ومنها
الائتلاف الوطني أن يتمعنوا بخطورة هذا المشروع , الهدف النهائي هو إسقاط سورية
التي حملت مبادئ العدالة والحق والمساواة التي أتى بها الإسلام والديانات
السماوية ووصلت
بجهود السوريين إلى حدود الصين وجنوب أوروبا."
وقبل أن يختم رسالته الطويلة، عاد خدام لُيحذر مرة أخرى من مشروع
"دي ميستورا" واصفا إياه باللغم، و طالب الجميع بالتوحد للقضاء على
الخطر و قال:" مشروع دي ميستورا هو لغم كبير علينا جميعا أن نتجنب السقوط
في هذا اللغم , وطنكم أيها الأخوة المواطنون في خطر كبير وبحاجة إلى كل منكم
أناشدكم أن تنبذوا خلافاتكم وأن توحدوا جهودكم لإنقاذ سورية الوطن وسورية الشعب
."
و في النهاية تمنى على الله أن يوفق و يرشد الجميع لما فيه خير
لمستقبل الأمة، وقال:" أسأل الله أن يرشدنا جميعا إلى ما فيه خير لشعبنا
ولأمتنا."
و عبد الحليم خدام هو الابن البار لحزب البعث العربي الاشتراكي في
سوريا، و كان إلى جانب حافظ الأسد منذ اللحظات الأولى من انقلابه في عام 1970، و
هذه لمحة عن مسيرة هذا السياسي الذي فضل في نهاية الأمر طلب اللجوء السياسي في
فرنسا بعد أن شاهد بأم عينه كيف تم التخلص من رئيس وزراء لبنان السابق رفيق
الحريري لرفضه الانصياع لمطالب النظام في سوريا.
آ.م
عبد
الحليم خدام: حافظ
أسرار النظام السوري
![](https://lh3.googleusercontent.com/blogger_img_proxy/AEn0k_uayWL1SZtoMWDiSAR_RobVx5sBX0JxXqHVl7tBAc2ZqQQYkK4q2F8956iRyJYvKVUE4X33X9pDC3Gulo9vAIdukVmeRnSWzC7gJ5BOn08b3kMtYR_eiXL9Uz7MQ1YbDoXr2X1Z2ZUFDGx1MGIQf2U4jPI=s0-d)
يُعتبر نائب
الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام الذي اختار لنفسه منفيا في العاصمة الفرنسية
باريس منذ حزيران/ يوينو 2005، حافظا لأسرار نظام البعث في سوريا، لأنه مارس السلطة
معه منذ العام 1963 و حتى العام 2005 تاريخ انسحابه الاختياري. و قد كان خدام يعرف
جيدا إلى أي جهة يقف، و يعلم جيدا أي الطرق الأقصر للسلطة و الحظوة و القرار،
فلذلك لم يكن حزبيا عاديا مثل الآخرين، بل كان رقما مؤثرا في حزب البعث، رغم السطوة
التي كان يمارسها حافظ الأسد.
يقول عنه
المفكر اللبناني المعروف و زعيم حزب الكتائب السابق" كريم بقرادوني" في
كتابه السلام المفقود":" عبد الحليم خدام وفيُّ جدا للرئيس حافظ الأسد
فهو الوحيد القادر على الدفاع عن الفكرة و نقيضها الخاصة برئيسه".
و لكن دائما لا
تسير الأمور كما يشتهي الملاح، فيبدو أن خدام في القريب العاجل، وعندما سينشر
مذكراته سيقول أشياء قاسية في حق حافظ الأسد، وربما منبع المرارة التي يعيشها
الرجل، أنه يشعر أنه الأحق بخلافة نظام كان هو أحد صانعيه، بينما وجد منذ العام
2000 تاريخ وفاة حافظ الأسد، و تسليمه مُجبرا السلطة لـ" بشار"، وشاهد
بأم عينه كيف بدأ هذا الأخير بالقيام بممارسات أخذت تدريجيا البلاد إلى شفير
الهاوية.
و رغم أنه لم
يعبر عن مرارته، لكننا نقرأ تصريحاته المستمرة ضد شخص بشار الأسد، على أنه ليس
جديرا بالسلطة؟ و لكن هل حقيقة خدام هو الرجل الجدير بخلافة حافظ الأسد الذي حكم
سوريا بالنار و الدم، وروض الشعب السوري الذي كان صعب المراس؟ حيث طيلة 35 عاما
استطاع أن ينزع من الشعب السوري كل رغبة بالتمرد و التغيير، خاصة بعد مجازر مدينة
حملة التي راح ضحيتها في حدود 35 ألف قتيل.
عبد الحليم
خدام، الذي كان مسؤولا عن السياسة الخارجية طيلة سنوات طويلة في عهد الأسد، إلى أن
أصبح نائبا للأب و الابن،قرر في النهاية الانسحاب بهدوء، بعد أن وجد أصدقاءه و
أقرب المقربين له يتخلون عنه ليرتموا في أحضان السلطة. ويمكن إبراز أهم النقاط في
حياة خدام على الشكل التالي:
- ولد في مدينة
بانياس الساحلية عام 1932.
- عبد الحليم
خدام ينتمي إلى أسرة مسلمة سنية.
- دخل حزب
البعث وهو في الـ17 من عمره.
1951- الجامعة
السورية بدمشق من كليه الحقوق.
1947- 1964 -
أمينا لشعبه الحزب في بانياس.
1954- 1964-
عمل في المحاماة ، في بانياس واللاذقية.
1964- 1966-
محافظ حماة.
1966 -1967 –
محافظ القنيطرة.
1967 - 1969-
محافظ دمشق.
1969- 1970-
وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية.
1970 -1971 -
شغل عضوية القيادة القطرية المؤقتة بعد الحركة (التصحيحية).
1970 -2000-
نائب رئيس مجلس الوزراء ووزيرا للخارجية.
1971 -2005-
انتخب عضوا في القيادة القطرية.
1984 2005-
نائب رئيس الجمهورية.
2005- عضو في
اللجنة المركزية لحزب البعث.
- لدى وفاة
الرئيس حافظ الأسد عام 2000 عُين خدام رئيسًا لسورية لمدة 37 يومًا باعتباره
النائب الأول للرئيس الراحل إلى أن تولى الرئيس بشار الأسد سدة الحكم حيث بقي خدام
نائبًا للرئيس.
- ألف عبد
الحليم خدام عدة كتب منها "النظام العربي المعاصر، قراءة الواقع واستشفاف
المستقبل".
- 6 ديسمبر/
كانون الأول 2005 ذكرت صحيفة السياسة الكويتية "إن سلطات النظام السوري صادرت
جميع ممتلكات عبد الحليم خدام، نائب رئيس الجمهورية السابق، وأولاده، وبموجب هذا
القرار لم يعد لخدام ما يملكه في بلده". وجاءت هذه المصادرات بعد انتقاد خدام
للنظام السوري.
- 12
يوليو/تموز 2005 أصدر بشار الأسد قرارًا أعفى بموجبه عبد الحليم خدام من مناصبه في
القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية.
للإشارة.. يتم
الحديث دائما عن الحركة التصحيحية، وهو اسم للحركة الانقلابية التي قام بها حافظ
الأسد ضد رفاقه في البعث، وتسلم السلطة من بعدها و سجن رفاقه حتى الموت، وكان أشهرهم
الرئيس نور الدين الأتاسي الذي قضى بالسجن و رفض حافظ الأسد إطلاق سراحه، رغم
الوساطات التي قام بها العديد من الرؤساء العرب و منهم الرئيس الجزائري الشاذلي بن
جديد، و الأتاسي كان أحد الذين شاركوا في الثورة الجزائرية ضد الاحتلال
الفرنسي، وكان طبيبا عالج الكثير من المجاهدين الجزائريين، و عند وفاته قامت
القيادة الجزائرية بتسمية مشفى في باب الوادي على اسم الرئيس الراحل، ويوجد في
الجزائر العديد من المعارضين السوريين الذين فروا إليها بعد انقلاب 1970، وأشهرهم
إبراهيم ماخوس الذي كان وزيرا للخارجية في عهد الرئيس الأتاسي.
آ.م