هذا حوار صحفي أجريته منذ عدة سنوات مع الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي عندما كان في صفوف المعارضة، أعيد نشره على مدونتي من جديد، و نجد أن المرزوقي بقي محافظا على قناعاته.
منذ عام تقريبا أجريت حوارا مع الدكتور و
المعارض التونسي منصف المرزوقي، و قد أثار وقتها الحوار ردة فعل عنيفة من طرف
السلطات التونسية، وقد كتب يومها أحد الصحفيين في المهجر " أن الصحيفة التي
نشرت الحوار مع المرزوقي تأخذ أوامرها من الجنرالات، و أن هناك أزمة مبطنة بين
الجزائر و تونس" وقد انتهى التعليق هنا، و يبدو أن الطبيب المعارض قدره دائما
أن تُثار حوله الكثير من الإرهاصات، رغم أنه لا يد له في ذلك، فهو يقول دائما
الحقيقة، و يمتلك القدرة على التشخيص الثاقب للأزمة التي يمر بها نظام زين
العابدين بن علي، إضافة إلى رؤيته الميزة حول إمكانيات و قدرة المعارضة التونسية
على صنع البدائل.
تحدثت إليه.. فأخبرني أن أوباش النظام
يلاحقونه، و هو الآن في شبه إقامة جبرية ، و هو ممنوع من الهاتف و الانترنيت و من
الاتصال بأحد، ولولا أن لديه هاتفا نقالا دوليا لتم عزله بشكل نهائي عن العمل، و
أشار لي أن أسرته موجودة في فرنسا، بينما هو موجود في تونس، و أكد لي أنه لا يمكنه
أن يتنازل عن نضاله ضد نظام بن علي المتعفن. و كانت تونس قد سحبت سفيرها من
العاصمة القطرية الدوحة، بعد قيام قناة الجزيرة بحوار مع المرزوقي، و اتهمت
الحكومة التونسية قناة الجزيرة في بيان أصدرته وزارة الخارجية أن القناة القطرية لها
أجندة محددة ضد الحكومة التونسية وهو ما
نفته القناة على لسان مديرها وضاح خنفر.
آدم ميرا
- الخبر الأسبوعي: يبدو أنك أثرت أزمة دولية؟
- منصف المرزوقي: في الحقيقة أنا ليس لي يد
في ذلك، و لكن الأمور تسير باتجاه غريب،حيث أنني اليوم(الأحد) مشيت في الطريق في
منطقة حمام سوسة بالقنطاوي، فكان يجري بعض أزلام النظام ورائي و قالوا لي "
يا خائن، يا عميل لقطر، والذي أخذ سيارة من أمير قطر، يا..يا.." ثم رموا علي
امرأة كانت تصرخ على اعتبار أن هناك تحرش
جنسي، ثم جاءني ثلاثة شبان أوباش وهددوني
بالاعتداء الجنسي، و كان كل ذلك يتم على مرأى و مسمع من البوليس الذي كان يحرضهم ،
و البوليس لديه أوامر بملاحقتي اللصيقة ومتابعتي في كل مكان، لدرجة أن الشارع أصبح
ممنوع عليَّ وهذا هو انتقام مني.
- الخبر الأسبوعي: بدأ النظام يمارس ضدك
سياسة من مستوى متدني جدا؟
- منصف المرزوقي: إنه مستوى حقير من المضايقات و هو شيء لم يسبق له مثيل، و
أعتقد أن هذا هو بداية الغيث وليس نهايته، لأن الأزمة السياسية في تونس بلغت
ذروتها.
- الخبر الأسبوعي: ما هي الطريقة التي تستطيع
فيها أن تواجه هذه المضايقات؟
- منصف المرزوقي: كان من الممكن أن أبقى في
باريس و أصدر البيانات و أدعو الناس إلى التحريض من أجل المطالبة بحرياتهم و
حقوقهم المدنية، و لكن أنا فضلت العودة إلى تونس، و منها يمكن القيام بمقاومة
مدنية مثل الشعوب التي قامت بمقاومة مدنية
في أوكرانيا و غيرها و انتصرت، و لكن المشكلة الآن هي ليس أمامنا خيارات
كبيرة، وهو ما يعني أنا أمامنا التعفن أو العنف، فهذا النظام غير قابل لأي مصالحة
أو إصلاح، وهو متعنت و يمشي في عجرفة، و يجب علينا أن نقوم بثورة سلمية مدنية ضد
النظام.
- الخبر الأسبوعي: هل تعتقد أن الوقت مناسب،
أو أن التربة خصبة و مؤهلة لدى الشعب للقيام بثورة سلمية؟
- منصف المرزوقي: أنا أعتقد أن الناس قد
وصلوا إلى نتيجة أن هناك أزمة سياسية و اقتصادية و أخلاقية و أصبح لديها استعداد
للتوجه إلى العنف، وربما المقاومة المدنية هو آخر حل قبل التوجه إلى العنف، لأنه
بعد ما جرى ويجري في العراق،حيث يذهب الشباب إلى هناك من أجل التمرين ثم يعودون، و
أصبح هناك نزعة إلى العنف لأن هناك الضغط و القهر الذي يمارسه هذا النظام على
الشعب التونسي لم يكن له مثيل، فلذلك يجب العمل المدني ضد النظام السياسي، و يجب
أيضا إعطاء الشباب فكرة و هي أنه هناك إمكانية للتأثير على النظام بالمظاهرات و
الاعتصامات بحيث تكون النتيجة أحسن من اللجوء إلى العنف.
- الخبر الأسبوعي: في الحوار الأخير الذي
أجريته معكم قبل عام تقريبا، أخبرتني أن المعارضة غير قادرة على صنع البديل
للنظام، هل لا زال لديكم هذا الرأي أم تبدل؟
- منصف المرزوقي: أنا ما زلت على هذا الرأي،
و ازدادت قناعتي بذلك، لأن المعارضة لا يمكن لها أن تعمل إلا في ظل مناخ ديمقراطي،
بمعنى أن تكون موتور تحريضي في ظل هارموني كامل حتى يكون للمعارضة معنى، لكن تحت
ديكتاتورية شرسة لا يوجد إلا مقاومة مسلحة أو مقاومة مدنية ، و إلا كيف يمكنني أن
أُعارض بحيث أنني لا أستطيع أن أتحدث، لا أستطيع أن ألتقي بالناس، لا أستطيع أن
أمشي في الشارع، بعد كل ذلك .. أين هي المعارضة، خاصة و أن هذا النظام خبيث جدا،
حيث صنع بعض الأحزاب و ترك هامش بسيط جدا حتى يعطوا واجهة ديمقراطية، و الناس تعلم
أن هذه الأحزاب ليست سوى ديكور. الأحزاب المعارضة ستتحرر، عندما يكون لها دور و
عندما تكون هناك ديمقراطية، لكن في الوضع الحالي ليس هناك أي حظوظ لها.
- الخبر الأسبوعي: هل تعتقد أن الدولة تدفع
الناس للقيام بالعنف؟
- منصف المرزوقي: نعم، أنا أعتقد هذا، حيث أن
ذلك ربما يتم عن غير وعي، ونحن بطبيعتنا نقترب من هذا الخط الأحمر،خاصة و أن هناك
من يرفع الحجاب بالعنف،وهذه قضية هِمة و شهامة و كرامة، حيث أنه يجب أن لا تتعرض
المرأة لرفع الحجاب بالقوة. و لكن هناك من هو داخل المنظومة، أي من يدفع للعنف،
لأنه في حال وقعت أحداث عنف، فإنه في ذلك الوقت سيتم الحديث عن الأمن و استتباب
الأمن و الإرهاب و يتحدثوا مع أصدقائهم في العالم حول الإرهاب، فلذلك أجد أن دوري
الرئيسي أن يقع تحرك و لا يقع عنف، ربما يكون خيار طوباوي و لكن كمناضل في حقوق
الإنسان و طبيب هذا هو الشيء الوحيد الذي من الممكن أن أكون متمسك فيه.
- الخبر الأسبوعي: حاليا حضرتك محروم من
الانترنيت و من جميع الاتصالات؟
- منصف المرزوقي: نعم، و الشيء الوحيد الذي
أملكه هو هذا الهاتف النقال لأنه مسجل بفرنسا، و مسموح فيه لأنهم يسجلون المكالمات
و يراقبونها ولولا ذلك لقطعوه، و أنا ليس لي الحق بالانترنيت، و ليس لي الحق في
السير في الشارع.
- الخبر الأسبوعي: هل أنت تعيش مع أُسرتك؟
- منصف المرزوقي: لا.. أسرتي موجودة في
فرنسا، و أنا موجود في منزلي، حيث يقوم بعض الأقارب و الأصدقاء بزيارتي، لذلك أنا
وضعي خطير جدا، حيث من الممكن أن يعتدوا عليَّ في بيتي خاصة و أنني وحدي.
- الخبر الأسبوعي: هل قمت ببعض الخطوات من
أجل حماية شخصك على الأقل فيزيائيا؟
- منصف المرزوقي: لا.. ما هي قدرة شخص وحيد
ضد عصابة مجرمين يحركها البوليس السياسي، في حال أنهم قرروا مصيري أو أي شيء ضدي،
فالنتيجة أنه لا يوجد أي شيء يمكن أن يحميني.
- الخبر الأسبوعي: لكن ألا تعتقد أن نظام زين
العابدين بن علي يلقى دعما دوليا رغم ما يمارسه من قمع ضد الشعب؟
- منصف المرزوقي: دعم دولي هذا شيء مبالغ
فيه، و لكن يمكن القول الغرب، و لكن الغرب هو مجتمعات مدنية، وهذه المجتمعات كلها
ضد زين العابدين بن علي لأنها تساند وتدعم الديمقراطية، ونحن بفضل هذا الدعم
الغربي ما زلنا أحياء نرزق، و حتى بالنسبة للدول التي تدعمه أعتقد أن هناك أربع
دول فقط تدعم نظام بن علي هي فرنسا و أمريكا و إسبانيا و إيطاليا لأسباب
جغرافية،في حين أن هناك دول مثل السويد و النرويج لا تقوم بدعم نظام بن علي بشكل
كبير، إذن يجب علينا أن لا نبالغ بأن هناك دعم دولي حيث هناك دعم من طرف تلك الدول
الأربع التي تدعم بن علي لأسباب إستراتيجية و تعتقد أن شخص بن علي مهم لها لأنه
يحافظ على مصالحها، و لا ننسى أن له دعم كبير من إسرائيل لأنه معترف بها.
- الخبر الأسبوعي: هل ستسمر بالإقامة بتونس و
تستمر في مقاومة النظام؟
- منصف المرزوقي: طبعا سأستمر في نضالي و أنا
مصر على ذلك أكثر من أي وقت مضى، و سأحتل موقعي في تونس حتى تنهار الديكتاتورية و
أستطيع أن أسير في شوارع تونس حرا دون أن تلاحقني جحافل النظام.
ا.م
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.