vendredi 13 novembre 2015

حرية، عدالة ومساواة..شعارات براقة لنهب ثروات الوطن و المواطن



آدم ميرا

 تختفي الدول ذات النظام الشمولي وراء شعارات براقة كالحرية، العدالة، المساواة الاجتماعية و غيرها، من أجل أن تستمر في الحكم، و تثرى من وراء توزيع المناصب و ثروات الدولة على فئة انتهازية سيكون مهمتها الوحيدة في المستقبل القريب هو تعزيز سلطة القادمون الجدد على ظهور الدبابات إلى الحكم، وتشويه سمعة أصحاب السلطة الشرعيين الذين حكموا بإرادة شعبية و من خلال صناديق الاقتراع، و غادروا مناصبهم تحت الحراب.

قامت الدولة الوطنية في العالم العربي في منتصف الأربعينات من القرن الماضي، بعد أن بدأت حركة تحرر وطنية شاملة، للتحرر من كافة أشكال الوصاية و الاحتلال التي أتت آنذاك بقرارات دولية.
و لم تكد تلك الدول تتحرر، و تبدأ مسيرتها في إقامة دولة عصرية، مدنية على أسس ديمقراطية و حرية غير مقننة، حتى جاءت موجة من الانقلابات العسكرية أطاحت بالدولة الديمقراطية الشابة. و من أجل جذب المواطن البسيط، رفع هؤلاء الانقلابيون بعد أن خلعوا بزاتهم العسكرية شعارات براقة، لامعة جذبت كافة الشرائح الاجتماعية و جذبت بقوة المواطنين البسطاء، الذين لم يكن يعرف غالبيتهم أن يكتبوا أسمائهم، و عاجزين عن ترجمة تلك الشعارات المرفوعة إلى كلمات بسيطة ملتصقة بحياتهم اليومية، كلقمة العيش، و إنجاب الأولاد و تلقي دعوات الأم و الأب، و لكنهم أيدوا القادمون الجدد لعل يكون فيهم الخير لهم و للوطن!
و كانت الدولة النموذج لهذا التغيير، هي سوريا، التي قام جيشها عام 1949 بقيادة الجنرال حسني الزعيم بأول انقلاب عسكري، أطاح بالحكومة القائمة على اختيار الشعب و نصب نفسه زعيما مطلقا بيده كل السلطات، و كما لكل شيء بداية، بدأت ظاهرة الانقلابات العسكرية تنتقل إلى العالم العربي فكان أول السباقين مصر(1952) ثم تلتها العراق(1958)، ثم الجزائر(1962) ثم ليبيا(1969). و كانت جميع هذه الدول التي قام انقلابيوها باستلام السلطة، و تسلم زمام الأمور برفع شعارات جذابة من أجل الاستحواذ على تأييد الجماهير، و دعمهم، و بعد تسلمهم كافة السلطات، و ترسيخ إدارتهم في كافة المستويات، بدأت بالتكشير عن أنيابها و أسست دولة أمنية تعتمد على مبدأين أساسيين:
الأول- إلغاء أي معارضة حزبية، و اتهام أي طرف يعارض النظام القائم بالتخوين و العمالة للخارج.
الثاني- إنشاء مؤسسة أمنية قوية تسيطر على كل مقدرات الحياة، و منتشرة في كل مكان، و لها صلاحيات واسعة قادرة على اعتقال أي مواطن، و زجه في غياهب السجون لسنوات دون أن يتعرض حتى لمحاكمة بسيطة.
و تحت هذين الشعارين، تحولت الدولة الوطنية صاحبة شعارات الحرية و العدالة إلى دولة بوليسية تكمم الأفواه و تقمع الحريات و تزج بأي معارض في السجن دون أي حق بالمرافعة أمام العدالة، و قد مات الكثير من السياسيين في السجون، بسبب القهر و العزل و التعذيب النفسي و الجسدي.
و لكن إنشاء الدولة البوليسية يحتاج إلى روافد هامة من أجل استمرارها، و توسعها و تشابكها مع كافة شرائح المجتمع، فبدأت أدوات الدولة البوليسية بإنشاء طبقة من المرتشين، و الانتهازيين الذين يقتاتون من مال الشعب و نهبه، و يبثون الإشاعات المستمرة من أجل أن يستمر إرهاب أي طرف يحاول أن يتمرد على هذا النظام القائم، ليأتي في النهاية قصص يرويها عدد من الخارجين من السجون، قصص تشيب لها الرؤوس تتحدث عن التعذيب، و القتل الجماعي، و عن الصراخ الذي لا يتوقف ليل نهار في ليالي السجون الطويلة، التي يكون لها أول و لا يكاد يكون لها آخر.
و تكتمل حلقة الدولة الوطنية شعارات براقة(حرية، عدالة اجتماعية، مساواة)، و أجهزة أمنية موجودة في كل مكان من الدولة، و منتشرة بين كل شرائح المجتمع، وطبقة من المرتشين و الانتهازيين تعزز وجود الدولة في صفوف المواطن المقهور.
و لكن الدولة الوطنية تحتاج إلى عوامل جديدة من أجل أن توهم مواطنها بأنه مهدد، و بأن هناك عدو يتربص به في كل مكان، و ليس أمام هذه الدولة" الوطنية" إلا أن تخلق عدوا وهميا، تطبل له وسائل الإعلام و تزمر من أجل إبرازه على اعتبار أنه عدو شرس، و قوي و يجب استخدام كافة القوى ضده للقضاء عليه و الحفاظ على " إنجازات" الدولة الوطنية!
و هنا تبدأ حلقة جديدة من المؤامرة على المواطن، فتقوم أجهزة السلطة بخلق مجموعات مسلحة تقوم هنا و هناك ببعض المناوشات العسكرية ضد أهداف منتقاة، و لا مانع أن يتم قتل بعض المواطنين الأبرياء من أجل تدعيم فكرة الدولة" الوطنية" بأنها مهددة من "أعداء" لا يرحمون، وهم طبعا عملاء للخارج، و بعد القضاء على هؤلاء و إلقاء القبض عليهم، و بث تحقيقات مطولة معهم في وسائل الإعلام، يقتنع المواطن بأنه مهدد، و بأن هناك من يتربص به.
و تبدأ حلقة جديدة من القمع ضد المواطن من طرف الدولة"الوطنية"، و يتم التضييق عليه أكثر فأكثر، و كلما شعرت دوائر الدولة" الوطنية" بأنها مهددة، تقوم باختراع جديد من أجل إيهام المواطن بأنه في خطر.
و لعل آخر ما توصلت إليه تلك الأنظمة الشمولية، صاحبة الشعارات البراقة هو ملاحقة أصحاب الأقلام، و قتلهم و التمثيل بجثثهم، فالقلم في كثير من الأحيان أشد فتكا من أي سلاح، وتبدأ العملية المخططة ضد هؤلاء بتقديمهم للمواطن المقهور أصلا بأنهم يتلقون دعما خارجيا، و أنهم أصحاب مشروع هدام لا يتناسب "قطعا" مع تقاليد المجتمع و الدولة الوطنية، و بذلك تتحول كافة وسائل الإعلام إلى التطبيل و التزمير إلى حاكم هذه الدولة أو تلك، و اعتباره مهديا يجب إتباعه فهو الملهم و القائد و الرمز و بث ألقاب لا تنتهي إلى الحاكم التي أضفاها عليه هؤلاء المرتشين و الانتهازيين، و بالمقابل إكالة كافة التهم و النعوت على أصحاب الأقلام الذين أزعجوا ذلك الملهم، المقدام، المُهيب مُخلَّص الأمة.
ويمكننا أن نستوعب أن الطريق إلى السياسة، أو إلى سدة الحكم هو أسرع الطرق للوصول إلى الثروة، و الاستحواذ على مقدرات الدولة، ففي الدول الديمقراطية يتم الوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع النزيهة، و لا يجلس على سدة الحكم إلا من تم اختياره من الشعب، و لا يتم إسقاطه إلا بقرار من الشعب أيضا.
أما في دول الأنظمة الشمولية، فالحاكم يأتي بقرار من الجيش و المؤسسة الأمنية، و إزاحته لا تأتي إلا بالموت أو الاغتيال و لكن طبعا بقرار من نصبه على الشعب.
و في نهاية الأمر فحكام الدولة الوطنية تمتلئ خزائنهم، و تتضخم رقابهم، و يرسلون أبناءهم للعيش و التعلم في الدول الغربية التي يشتمونها في وسائل الإعلام كل يوم، و يعلمون ذرياتهم اللغات الأجنبية من أجل إدارة أموالهم، و لكنهم لا يعرفون أن أكثر من نصف شعبهم يعيش على عتبة الفقر، و أن عشرات الآلاف من العائلات تنام و أمعائهم خاوية، و لكنهم يصرون على رفع شعاراتهم البراقة.
آ.م  











Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.