vendredi 6 novembre 2015

كواليس الشرق الأوسط


 آدم ميرا

الصحفي الفرنسي إيريك لورو المولود في مصر من أسرة يهودية يسرد في كتابه " في كواليس الشرق الأوسط" مسيرة عمل صحفي لمدة تصل إلى نصف قرن، نصفها في العمل الصحفي و النصف الآخر في العمل الديبلوماسي، و رغم أنه قام بتغطية الأحداث في العالم العربي و إفريقيا و آسيا، إلا أنه ركز في عمله على مصر التي كانت "كعبة الثوار" في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر المرتبط بعلاقة معقدة مع القضية الفلسطينية، إضافة إلى قصة أشرف مروان، صهر الرئيس ناصر، و قصته الكاملة  باختراقه الموساد الإسرائيلي.

صدر عن دار فايار للنشر مذكرات الصحفي و الديبلوماسي الفرنسي إيريك لورو الذي بدأ عمله الصحفي في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي بلقاء مع مؤسس حركة " الإخوان المسلمين" الشيخ حسن البنا، حيث أجرى حوارا معه لصالح صحيفة" Egyptian Gazette" الصادرة بالانجليزية آنذاك، ويصف البنا بأنه كان متحدثا جيدا، و لم يبالي عندما علم أن من يقوم بحواره هو يهودي مصري.

منذ الصفحات الأولى لكتابه نغرق معه بأسلوب سلس، حيث يسرد بكل مهارة علاقة اليهود المصريين ببلادهم، و يؤكد أنهم كانوا مواطنين مخلصين و غير مؤيدين لقيام دولة عبرية، لكن بعض المتحمسين بينهم و الناشطين التابعين للحركة الصهيونية هم من قاموا بقلب الوضع عليهم، و تحريض حكومة الملك فاروق الذي خير الكثير من اليهود بين السجن أو المغادرة، وهذا ما حصل مع إيريك لورو، الذي كان بكل بساطة ينتمي إلى حركة يسارية يهودية بعيدة كل البعد عن الدعوات الصهيونية.

يؤكد إيريك لورو أن قيام الدولة العبرية و نشاط الصهاينة في مصر هو من نغص حياة اليهود، الذين كانوا يعيشون حياة هادئة و مُفعمة بالحركة و النشاط و الإندماج بالمجتمع المصري، و يشير إلى أنه لم يلبي نداء الحركة الصهيونية بالهجرة إلا4000 يهودي من أصل أكثر من 20000.
و بعد مغادرته مصر إلى فرنسا وطن والده، وجد نفسه يعمل في الصحيفة الفرنسية العريقة" لوموند" باعتباره يُتقن العربية، ثم تسلم رئاسة القسم الدولي المتخصص في الشرق الأوسط،و جاءت دعوة له لزيارة مصر من رئيس تحرير صحيفة الأهرام آنذاك" محمد حسنين هيكل" لتبدأ حياة جديدة لهذا الصحفي الذي قابل الرئيس جمال عبد الناصر و بدأت رحلته بالعالم العربي.
يذكر إيريك لورو في كتابه أن مصر في عهد ناصر كانت "مكة" اللاجئين السياسيين العرب، فكانت له فرصة ليلتقي بأكثر الوجوه معرفة في ذلك الوقت من إبراهيم طوبال، المعارض التونسي، إلى اللواء الأردني الناصري على أبو نوار، مرورا بـمهدي بن بركة المعارض المغربي الذي تم اغتياله من طرف الأمن المغربي بالتعاون مع الأمن الفرنسي حسب ما سرد في كتابه.

كما يُبدي رأيه في بعض الشخصيات السياسية التي كانت في القاهرة آنذاك مثل الأخضر الإبراهيمي سفير الجزائر آنذاك ووزيرها للخارجية فيما بعد، و يشير إلى أن عبد الناصر لم يكن متحمسا لقيام وحدة مع الجزائر خاصة بعد فشل التجربة المصرية السورية.
يقول إيريك لورو أنه رغم الوجه المشرق الذي كانت تحمله القاهرة في زمن ناصر، إلا أن السجون كانت مليئة بالمعارضين حيث قضى عدد من المعارضين اليساريين تحت التعذيب.
ويشير أيضا أن ناصر كان لديه هاجس من أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بترتيب انقلاب ضده، كما فعلت مع محمد مصدق في إيران.
وفي غمار سرده للأحداث يسرد قصة أشرف مروان، زوج منى ابنة الرئيس عبد الناصر، التي تزوجت في عمر السابعة عشر من عريسها الذي لم يتجاوز الـ 21 من عمره.
قصة هذا الشاب تبدأ سريعا في كواليس السياسة، حيث أصبح أحد أعضاء مكتب الرئيس ناصر و منسق بين الأمن و مكتب الرئيس، ليصبح فيما بعد أحد الذين قاموا باختراق الموساد الإسرائيلي.

قصته بدأت عندما كان عمره 24 عاما، حيث اتصل بالإسرائيليين من اجل أن يقدم لهم معلومات طالبا منهم 100 الف دولار مقابل الأسرار التي يقدمها، و وافق الإسرائيليون، ولكن الضربة الكبرى كانت في الخامس من أكتوبر عام 1973 عندما طلب مقابلة زئيفي زامير مسؤول قسم مكافحة التجسس في الموساد الإسرائيلي في لندن، و أخبر أشرف محدثه أن مصر وسوريا ستشنان حربا على إسرائيل في الساعة السادسة في اليوم التالي للقاءهم، و تم نقل المعلومات إلى القيادة العسكرية في تل أبيب، و لكن لم يكن هناك أحد ليستقبلها فقد كان "عيد الغفران" إضافة إلى أن موسى ديان وزير الدفاع آنذاك لم يكن يثق بـ" أشرف" واصفا إياه بالعميل المزدوج، و لكن جاءت الحرب و لم تبدأ في السادسة بل في الثانية بعد الظهر!
يؤكد إيريك لورو أن وفاة أشرف مروان في 21 حزيران/يوينوعام 2007 في لندن كانت عبارة عن جريمة قتل، حيث تم دفعه من على شرفة منزله في لندن، وقد حظي بجنازة رسمية في القاهرة، رغم أن إسرائيل قالت عنه أن كان عميلها المفضل.

قصص إيريك لورو لا تنتهي، حيث يؤكد أن الرئيس الفلسطيني الراحل" ياسر عرفات" اتصل بعد حرب أكتوبر بالأمريكيين و أخبرهم أنه على استعداد للتفاوض مع إسرائيل، لكن الآخرين رفضوا عرضه و طالبوه بالاعتراف بإسرائيل قبل بدء أي حديث عن المفاوضات.
أسرار كثيرة عن حرب أكتوبر، و الصراع في مصر ، عن القضة الفلسطينية، عن العلاقة بين ناصر و الدول العربية، عن هاجس ناصر لإقامة دولة معاصرة ، عن علاقة هذا الأخير بالروس و زيارة خروتشوف إلى مصر التي دامت أسبوعين كاملين، عن مفاوضات كامب ديفيد و أوسلو، إضافة إلى أسرار لا تنتهي حول من يقود العالم العربي و ينافس ناصر، إنها ذاكرة صحفي و ديبلوماسي فرنسي-مصري-يهودي يؤيد القضايا العربية و حق الفلسطينيين في الوجود.

ا.م

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.